بسم الله الرحمن الرحيم
كان المسجد منذ فجر الرسالة الإسلامية حجر الزاوية والركن الأساسي الضامن لاستقامة الدين الإسلامي الحنيف، واستقامة أمور الدنيا، ولا يزال المسجد يمثل ذلك الدور والأهمية حتى الساعة.
فالمسلم يتجه للمسجد لتأدية فروض الصلوات الخمس، ويجلس بين ظهرانية لاستيعاب تعاليم دينه، التي يتكئ عليها لمواجهة أمور دنياه. وفي المسجد يلتقي الناس طواعية لعبادة الرحمن عز وجل، وابتغاء رحمته ورضوانه وتلتقي أرواحهم وأجسادهم ونواياهم الصادقة وآمالهم المخلصة في صفوف متراصة بين يدي الله العليم القدير، وباتباع الإمام والخطيب الذي تقع عليهما مسئولية كبيرة من إيصال صوت الحق والعدل والتراحم والمحبة والتكافل الاجتماعي إلى صفوف المصلين، تأسيساً على ديننا الإسلامي وعظمة الرسالة الخالدة، وتنفيذاً لجوهرها وتعاليمها وأهدافها.
والمسجد إلى جانب كونه مكاناً طاهراً تتطهر فيه القلوب والأرواح من شوائب الدنيا ابتغاء رحمة الله في الآخرة، فإنه مكان يتوحد فيه الناس تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله". مكان يتوحد فيه الناس لعمل الخير بكافة أشكاله ومسمياته وحدوده، عمل الخير الذي يبدأ بالنصح والإرشاد، ويمر بمراحل التثبيت اليومي لتعاليم الدين، ويصل إلى إسهام الجميع في بناء المجتمع وتنميته- كل من موقعه وكل بحسب إمكانياته ومسئولياته- تنفيذاً للقول النبوي الطيب الذكر "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته".
باختصار لابد أن يعود المسجد لسيرته الأولى من حيث الالتزام الكامل بالعبادة وبتعليم الناس أمور دينهم.
وعليه فإنه عندما يأتي الحديث عن دور ومكانة أصحاب الفضيلة العلماء فإن أول ما يتبادر الذهن أننا شعب مسلم بفطرته متمسك بدينه الإسلامي الحنيف حتى النخاع.
وباعتبارنا بلداً عربياً وإسلامياً فإنه لا مكانة لوصي على وطننا وسيادتنا وديننا الإسلامي الحنيف وتعاليمه السمحة، وبالتالي فإن أصحاب الفضيلة العلماء، ووفقاً للثوابت السابقة يظلون أحراراً في قول الحقائق، ولكن بطريق النصح والإرشاد والتقويم "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" صدق الله العظيم.
وتزداد أهمية الدور المأمول الذي يلعبه أصحاب الفضيلة العلماء في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به العالم عموماً، والعالم العربي والإسلامي على وجه الخصوص، وبلادنا جزء منه.. هذا الظرف المتمثل في الحرب المعلنة ضد الإرهاب بكافة أشكاله "إرهاب الدولة، أو إرهاب الجماعات.. بما يحمله من تطرف ديني، وسياسي متعصب" هو جزء من نتاج الغلو والتطرف بسبب الجهل بدقة التعاليم الإسلامية وصحتها، واللجوء لتفصيلها على مقاس أهواء وغايات البعض على حساب الكل، لذا فإن علماءنا الأفاضل مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن يتوجهوا للناس بالنصح والإرشاد عبر كل المنابر المتاحة: الإعلام، المساجد، الجامعات.. الخ. مطالبون بإعادة تدريس أبناء الشعب التعاليم السمحة لديننا الإسلامي الحنيف، دون الإخلال لا بحدود الله ولا بجوهر الديانة الإسلامية وضوابطها، وأن يركزوا على مواجهة كافة أشكال التطرف والغلو والمزايدة وتكفير الآخر دون وجه حق.. تعليم يواجه كافة الظواهر التي تمس وجدان الشعب ووحدته الوطنية وتزرع الفتنة والثأرات والكراهية التي يُلبسها أصحابها لبوس الدين والإسلام منها براء؛ لأن المجتمعات التي تسمح لمثل تلك الظواهر المرَضية أن تنتشر، فإنها غالباً ما تكون عرضة للفرقة والتناحر والدخول في مهاترات عميقة تؤدي إلى إشعال الخلافات المذهبية وتذكي العصبية، وتفرق الناس في متاهات وصلت حد تكفير المسلم لأخيه المسلم، واللجوء للعنف وإزهاق الأرواح البريئة، تلك المراحل كان عنوانها يفيد بأن الدول العربية والإسلامية كانت تعيش أسوأ مراحلها ووهنت معها أركان الدولة لدرجة سقوط الكثير منها فريسة أعداء أمتنا العربية والإسلامية من الداخل بسبب الفرقة الناتجة بين أبنائها وتضارب مصالحهم وأهوائهم ورغباتهم، فيما دخلت بعض الدول –والتي سلمت من الاعتداء الخارجي- دخلت في حالة تناحر وطني أهلي أكل الأخضر واليابس مشتتاً شمل الناس وفارضاً حالة من الخوف والجوع والعوز حد الخراب العام.
نخلص من هذا كله أن على علمائنا أصحاب الفضيلة مسئولية جسيمة وهامة تكمن في أن أمانة الرسالة التي يحملونها كعلماء للدين الإسلامي تأتي في أولويات مهمتهم المتمثلة بإعادة تعليم الناس جوهر وأصل ديننا الإسلامي الحنيف، وذلك بما يوحد كلمة الناس ويقوي عزيمتهم لبناء بلادهم ورفع راية الإسلام فيه وصونه ونصرته في مواجهة كافة أشكال التحديات التي تواجهه سواء من داخل الوطن، أو من خارجه.